روائع مختارة | روضة الدعاة | تاريخ وحضارة | طارق بن زياد.. والعبور إلى الأندلس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > تاريخ وحضارة > طارق بن زياد.. والعبور إلى الأندلس


  طارق بن زياد.. والعبور إلى الأندلس
     عدد مرات المشاهدة: 3541        عدد مرات الإرسال: 0

تحرك طارق بن زياد: بعد عام من الحملة الاستطلاعية الناجحة التي قادها طريف بن مالك -رحمه الله، وبعد أن انتهى موسى بن نصير من وضع خطة الفتح.

وفي شعبان[1] من سنة 92هـ= يونيه 711م تحرَّك هذا الجيش المكون من سبعة آلاف فقط من جنود الإسلام، وعلى رأسه القائد طارق بن زياد.

يقول ابن الكردبوس: «وكان موسى بن نصير حين أنفذ طارقًا مُكِبًّا على الدعاء والبكاء والتضرُّع لله تعالى، والابتهال إليه في أن ينصر جيش المسلمين...»[2].

حملة طارق وسفن العبور:

كثيرًا ما يتردَّد في تاريخ الفتح الإسلامي للأندلس الحديث عن السفن التي استعملها الجيش الإسلامي في عبوره إلى الأندلس، وفي هذه السطور نُوَضِّح بعض الأمور المهمة عن حقيقة تلك السفن، ومدى نسبتها إلى يُليان حاكم سَبْتَة من خلال النقاط التالية[3]:

- أتم المسلمون فتح بلاد شمال أفريقيا قبل فتح الأندلس بعقود طويلة، ومعلوم أن الشمال الإفريقي تطلُّ شواطئه على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي.

وهذا يجعلهم يُفَكِّرُون في توفير السفن اللازمة لحمايتها من أي اعتداء بيزنطي؛ وهو متوقَّع لِمَا كان بين الدولة الإسلامية والبيزنطيين من عداء مستحكم؛ وهذا لا يجعلهم يتوجَّهُون إلى استعارة السفن، بل يجب أن تكون مملوكة لهم.

- سبق للمسلمين نشاط بحري حربي في الشمال الإفريقي؛ ففي عام 46هـ وجَّه معاويةُ بن حُدَيْج عبدَ الله بنَ قيس لغزو صقلية، فكان أول مَنْ غزاها، وذلك في عهد معاوية بن أبي سفيان[4].

- كان اهتمام المسلمين واضحًا بصناعة السفن منذ وقت مبكِّر بعد فتح إفريقية، فأقاموا دارًا لصناعة السفن في تونس في عهد الحسان بن النعمان والي الشمال الإفريقي 76-86هـ.

- فُتِحَتْ طَنْجَة في ولاية عقبة بن نافع سنة 63هـ، وهي ميناء صالح لصناعة السفن.

- استعمل طريف بن مالك أربعة سفن للعبور بسريته الخمسمائة[5]، وهذه السفن هي التي استعملها طارق بن زياد لعبور سبعة آلاف مسلم من المضيق إلى الأندلس[6].

ولم يُذكر اسم يُليان في هذا السياق، بل وتُصَرِّح بعض الروايات بأن موسى بن نصير قد عمل من السفن عِدَّة؛ يقول المقري: «وكان موسى منذ وَجَّه طارقًا لوجهه قد أخذ في عمل السفن؛ حتى صار عنده منها عدة كثيرة.

فحمل إلى طارق فيها خمسة آلاف من المسلمين مددًا كملت بهم عدة مَنْ معه اثني عشر ألفًا؛ أقوياء على المغانم، حِرَاصًا على اللقاء، ومعهم يُليان المستأمن إليهم في رجاله وأهل عمله؛ يدلُّهم على العورات، ويتجسَّس لهم الأخبار»[7].

وتَذْكُر بعض الروايات أن السفن التي حملت الجيش الإسلامي إلى الأندلس هيَّأها له يُليان حاكم سَبْتَة[8]، ويقول ابن عذاري في البيان المغرب: «فكان يُليان يحتمل أصحاب طارق في مراكب التجار التي تختلف إلى الأندلس، ولا يشعر أهل الأندلس بذلك، ويظنُّون أن المراكب تختلف بالتجار، فحمل الناسَ فوجًا بعد فوج إلى الأندلس»[9].

فبناءً على هذه الروايات فالسفن ليست يُليان وإنما عاون في تأجيرها لمعرفته بها.

- القيام بعملية فتح بلادٍ مثل بلاد الأندلس لا يمكن أن يفي بحاجتها استعارة سفن؛ لا سيما وأن النشاط البحري مألوف عند المسلمين، وسبق التهيُّؤ لفتح الأندلس قبله بعدَّة سنوات، وامتلاك السفن وصناعتها أحد هذه الأسباب.

كل هذا يُؤَكِّد أن أكثر السفن التي استعملها المسلمون في فتح الأندلس كانت إسلامية الصنع، أنتجتها دار قريبة، أو جُلِبَتْ من دور أخرى بعيدة.

طارق بن زياد على أرض الأندلس:

تحرَّك الجيش الإسلامي وعبر المضيق -الذي عُرف فيما بعد باسم قائد هذا الجيش مضيق جبل طارق- من خلال السفن؛ وذلك لأن طارق بن زياد حين عبر المضيق نزل عند هذا الجبل، وقد ظلَّ إلى الآن -حتى في اللغة الإسبانية- يُسَمَّى جبل طارق ومضيق جبل طارق.

ومن جبل طارق انتقل طارق بن زياد إلى منطقة واسعة تُسَمَّى الجزيرة الخضراء، وهناك قابل الجيش الجنوبي للأندلس، وهو حامية جيش النصارى في هذه المنطقة؛ فلم تكن قوَّة كبيرة.

 وكعادة الفاتحين المسلمين فقد عرض طارق بن زياد عليهم الدخول في الإسلام، ويكون لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، ويتركهم وأملاكهم، أو يدفعون الجزية ويترك لهم -أيضًا- ما في أيديهم، أو القتال، ولا يُؤَخِّرهم إلاَّ ثلاثًا، لكن تلك الحامية أخذتها العزَّة وأبت إلاَّ القتال؛ فكانت الحرب سجالًا بين الفريقين؛ حتى انتصر عليهم طارق بن زياد، فأرسل زعيمُ تلك الحامية.

وكان اسمه تُدْمير رسالة عاجلة إلى لُذريق -وكان في طُلَيْطِلَة عاصمة الأندلس آنذاك- يقول له فيها: أَدْرِكْنا يا لُذريق؛ فإنه قد نزل علينا قوم لا ندري أَهُمْ من أهل الأرض أم من أهل السماء؟! قد وطئوا إلى بلادنا وقد لقيتُهم فلتنهض إليَّ بنفسك[10].

 لقد كان المسلمون فعلًا أناسًا غرباء -بالنسبة لهم- فالذي عندهم أن الفاتح أو المحتلَّ لبلد آخر إنما تقتصر مهمته على السلب والنهب لخيرات البلد، والذبحِ والقتلِ في كثير من الأحيان؛ أمَّا أن يجدوا أناسًا يعرضون عليهم الدخول في دينهم ويتركون لهم كل شيء، أو أن يدفعوا لهم الجزية ويتركون لهم -أيضًا- كل شيء؛ بل ويحمونهم من الأعداء.

فهذا ما لم يعهدوه من قبلُ في حياتهم؛ بل ولا في تاريخهم كله، وفضلًا عن هذا فقد كانوا في قتالهم من المهرة الأَكْفَاء، وفي ليلهم من الرهبان المُصَلِّين، وقد أبدى قائد تلك الحامية دهشته وعجبه الشديد من أمر هؤلاء المسلمين؛ وتساءل في رسالته إلى لُذريق عن شأنهم: أهُم من أهل الأرض، أم من أهل السماء؟! وصدق؛ فهم من جند الله ومن حزبه:{أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22].

[1] اختلفت روايات المؤرخين في الشهر الذي عبر فيه طارق بن زياد الجبل المنسوب إليه؛ منهم من قال: في الخامس من رجب. كابن الأثير في الكامل 4/268، وابن عذاري في البيان المغرب 2/6، والذهبي في تاريخ الإسلام 6/393، والمقري في نفح الطيب 1/254، ومن المؤرخين من ذكر الشهرين دون ترجيح؛ منهم: الحميري في الروض المعطار ص35، وابن الخطيب في الإحاطة 1/100.

[2] عبد الرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص67، 68.

[3] للمزيد انظر: عبد الرحمن الحجي: التاريخ الأندلسي ص47-49.

[4] ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون 1/253.

[5] مجهول: أخبار مجموعة ص16.

[6] السابق ص17.

[7] المقري: نفح الطيب 1/257.

[8] الحميري: الروض المعطار في خبر الأقطار ص35.

[9] ابن عذاري: البيان المغرب في أخبار الأندلس والمغرب 2/6.

[10] المقري: نفح الطيب 1/24.

الكاتب: راغب السرجاني

المصدر: موقع قصة الإسلام